إلى زحل
البارحة
حينما خرجتُ من جسدي سالماً، رأيتُكِ تركضينَ برداءٍ أسودَ ودمعةٍ أخيرة. كانَ الليلُ وقتَها على أتمِّ سوادِهِ والريحُ خلفكِ تنبح.
البارحة عند اكتمال الأسى. على حافّة جرحٍ نبيلٍ يبدأ، كنتِ تُهدرين الليلَ دمعةً بعد دمعة. تبالغينَ سَترَ أَنّتِكِ حيث الأنينُ خاتمٌ في أصبعٍ مبتور.
وكنتُ بينَكِ/ حولَكِ/ أثناءَكِ أُسَندكِ بالسُّهاد:
ألمٌ كهذا جديرٌ بتلك الدموع.
ومن أجل أن تنسلَّ أشباحُ الوَحشةِ تركتُ الشبابيكَ مفتوحةً. وأَنَرْتُ المصابيح.
درّبتُ وجهي على ابتسامةٍ مقنعة، وصبرٍ واضحِ المعنى، يطولُ مع الليل.
الليلِ الأخير.
سألتكِ:
كيف أسلمتِ ظهرَكِ لسكّينٍ صدئة بيد الريح، ونزفتِ عمراً بمسرّاتِهِ زفرةً زفرة.
كيف أبدلتِ أقواسَكِ الملونة برمادِ الانتظار؟ وشطرتِ القلبَ كتفاحة
كيف زاملتِ الثواني الأخيرة
بأيِّ مبالاةٍ درأتِ مرارتها،
وأيَّ اختناقٍ كان؟
سألتكِ:
عن الزفراتِ الصغيرةِ المحرقة،
عن الدموعِ التي لا تُرى،
والمناديلِ التي تسحبينها سِرّاً وتخُفينها سراً بين طيّات ثوبِكِ المطعونِ بالوَحشة.
عن ابتساماتٍ زائفةً تبرقُ وتختفي، بانتظارِ فجرٍ يأتي بالفاجعةِ ناصعةً وخاطفة.
عن مشقّةِ أن تعرفي، ولا يعرفُ سواكِ أحد.
عن الجمرات، تقبضين عليها وملءُ عينيكِ التماعة.
...
سألتكِ كثيراً، لكنك لم تجيبي.
...
هكذا،
ساعةً بعد ساعة،
انفقتِ سوادَ الليلِ ساهمةً كغصنٍ ينسحقُ بمساميرَ واصدة.
...
...
عند الفجر،
كان جُرحي يُجيد أَلَمَه.
وغداً
لن يراكِ الناسُ إلا أختاً تَنَشرُ أختَها على طريقِ المطار.
لكني سأرى
شبحاً يجرُّ جناحَيهِ واهناً،
بينما قطراتُ دمٍ ترسمُ خيطاً يلمعُ بين أضلاعِهِ والتراب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق