الثلاثاء، يناير 03، 2012

عن الحالم اذا أستيقظ..

غلاف كتاب الحالم يستيقظ

http://www.newsabah.com/templates/images/spacer.gif


حسام السّراي

جريدة الأخبار اللبنانية

http://www.newsabah.com/templates/images/spacer.gif

في مجموعته البكر الصادرة عن دار الغاوون "الحالم يستيقظ"، يضعنا الشاعر العراقيّ علي محمود خضيّر (تولد 1983) بمواجهة عالمه المزدحم بالإنهيارات وبشعوره الدائم بالقلق من قادمات الأيّام، كيف لا وهو يلخّص حال المتورط في وحشة الحياة: "كأنّ جماعة من الموتى أو الملائكة/ ينتظرونه كي يأخذوه معهم/ حيث لارجعة أبداً".

إنّنا أمام تجربة شعريّة عراقيّة تطرح نفسها بعد نيسان 2003، تجربة عاش صاحبها طفولته على وقع مدافع الحرب العراقيّة الإيرانيّة، وشهد حصار التسعينات، ليكتب قصائده وهو يستجمع كلّ ما عاينه من خراب، باحثاً عن ملاذ يفتقده كلّ من "رأى الشمس تخفقُ مشنوقة ً بحبلِ العاصفة".

دخول الشاعر في حوار مع ذاته، يستلزم أسئلة تنبش في وجوده وحاضره ومستقبله:" كم ثعباناً في قميصك أيّها القدر؟/كم سكيناً خلف ظهرك أيّها الغد؟

في نصّه "وسواس" يقترب من سؤال أكثر ايلاماً وعمقاً، انّه تأرجح الإنسان بين حياة يحاصرها "احتراق الأخضر واليابس من العمر" وبين "موت بهيئة ديناصور لايطلع إلا من أغلفة الكتب"، ليأتي الاستفهام وهو يحمل روح الشاعر العدميّة :"أيُّ معنى من انتظار موتٍ قادم لامحالة؟"

واذا كان بورخس قد تحدّث ذات مرّة في كتابه "صنعة الشعر" عن الكيفية التي يرفع بها السياق ويسمو بجملة ما الى مرتبة الشعر، لذا فانّ الشاعر البصريّ وفي مقطع من "تهذيب الألم"، يهدينا سياق نصّه هذا إلى أن نقول انّه شعر يأخذنا الى مساحة متأمّله:"أفكـّر كيف أنّ أحزان الآخرين، دموعهم وخذلاناتهم المُرّة لاتُعير اكتراثاً لأحد. ترقد منسية ً ومُهملة ًكإطارٍ على الطريق السريع".

ويعود في نصّه "وهي تتحوّل الى ملاك" الى مساءلة اليوميّ الذي لم يكن عابراً، تبعات الوجود الأميركيّ في العراق وما حصل من انتهاكات لحقوق الإنسان، لتجد لها مكاناً في شعره، .. "بماذا فكـّر رجال المارينز قبل أن يقتحموا عليها الدار/ ماذا سيقولون للربّ؟

أنثى علي محمود خضيّر لايحاكيها بالمألوفيّة التي أدمن من خلالها العشّاق مضغ المفردات العابرة، "وقفتُ في منتصفِ الطريق/ على صدري/ بقايا زفيرِكِ قبل أن تـُعيرني للأسى/ وفي يدي لبقايا يدَيكِ، حنين...".

لكنّ أحلامه "المحاصرة" وان استيقظ منها هنا وهناك، يبدو إنّها ملازمة لكلّ تجربته الحياتية لتكون خلاصه الشخصيّ في النهاية...يكتب لمن يعنيها بحبّه وهيامه:" لك ِ أن تعيشي كما ترغبين.. ولي أن أحلم".

انّ استغراق الشاعر ومبالغته في الحلم، تأتي لتكون هروباً من الواقع أو محاولة لصدّ الخسارات التي يجلبها للإنسان، فهو يعبّر على هذا الواقع الذي يعاشر فيه أطفال الشوارع- من ضحايا العسكرة العراقيّة المستمرّة- ألعاباً من البنادق والمسدسات، فرحين بتقليدهم لما يشاهدونه في الفضاء العام، بينما يتجاوز خضيّر كلّ ذلك، واضعاً حلمه في صدر الصفحة التي تصارع هكذا مفارقات مؤلمة ، فهو نبوءته التي لايملك غيرها:"سيملؤون كراريسهم بالياسمين/ لامدافع ولافوّهاتِ بنادق".

ومثلما يسعى الشاعر في أكثر من مكان الى ايجاد حل للخلاص ممّا يجتاحه وبلاده:"حتّى أتّقي هُزء المزنجرات وصياح بنادق ملثّمة/أصمّ أذني بجمرةٍ سافرةٍ". فإنّه وفي نصّ "اذ تعكس الشمسُ أحمرَ شفاهك..."، يستعين باستشراف مستقبل ثانٍ "تصافح فيه النسمات جديلة حبيبته العابثة"، بينما الجو مشحون بأنباء عن فرق تتناحر وبيارق تهتزّ وما جرّتنا اليه الويلات المتعدّدة، وكأنّه يقول للحرب:" حلمي هو سخريتي الوحيدة منك وممّا نشهده".

مفردة "الموت" تكرّرت في مجموعة "الحالم يستيقظ" في أكثر من نصّ، مرّة تأتي خلاصاً من خراب المحيط المعاش، وثانية يأساً واستسلاماً من لدن فنّان تعذبت روحه من تلاشي ماحوله، وثالثة تصير فيها كلّ الحتوف التي مرّت "محض لعبة" ليس إلا!

وإذا ماكانت هذه المجموعة هي تجربة "خضيّر" الأولى، فإنّها بداية موفقة لشاعر تأنّى كثيراً على ما يظهر في اصدار نتاجه، حينما نقارنه بالتجارب البكر لمجايليه من الشعراء الشباب، حرص فيها على أن تكون قصيدته مجالاً للبحث فيما وراء المعنى للدخول الى عوالمه والتمعّن في قناعاته التي يسردها الينا شعرا خالصاًً بصوت هامس وبلغة بعيدة عن التعقيد، لكنّها في ذات الوقت لغة يريد لها شاعرها أن ترتقي بنصّه المكتوب.


ليست هناك تعليقات: