الجمعة، ديسمبر 30، 2011

حضور صارخ الغياب

علي محمود خضير


هل نملك أجساداً؟ وكيف يمكننا الاستدلال على وجودها، بالمعنى الفاعل، وهل تنطبق علينا عبارة مارسيل الشهيرة: انا جسدي.

هل نعيش خارج أجسادنا أم ان أجسادنا حُكمت بالنفي مذ تعرفنا عليها؟ إن كنا قد عرفناها فعلاً.

يرتبط مفهوم الجسد عندنا على الغالب الشائع بفكرة الإثم ولا تكاد تمر كلمة جسد أو تتردد في قناة تـَلقي ( نصيّة أم صوتية أم فيديوية ) إلا وكرست مفهوماً معكوساً عن رغبة عارمة بالقمع والنفي والإنكار تبعاً لارتباطات اثمية ساهمت بمداها الشمولي عند البعض على إلغاء الجسد من الحياة وكأن الإنسان في عالم أرواح .

الجسد منسيّ وغائب ومهمش، وربما تكون لعاقبته الفانية دوراً في إشاعة مبدأ قمع الجسد، فالخلود محصور بالروح والبقاء مكتوب لها لذا استقطبت القداسة ورمت بالتالي الجسد بنظرية الدونيّة.

والجسد يبدو كعدو ينبغي لنا اخضاعه ، ومحاربته كي ينصاع َ للاعراف الاجتماعية السائدة ، الجسد عندنا الة ووعاء يجب ان يتبع العقل ( الرأس ) والباقي يهمل ويُنسى فينشء عندنا الفرد مزدوجاً ومنشطراً بين عقلٍ خاضع ٍ للعقل الجمعي فكرياً وجسد خاضع للعقل المُقَيد/المُقِــيد.

نحن لا نستطيع اكتشاف اجسادنا من دون اكتشاف الآخر ( جسداً ) ، نحن لا نعرف اجسادنا ان كنا لا نعرف الاّ اجسادنا.

وتبدو خصوصية الجسد العراقي وسط هذه العاصفة أكثر تعبيراً عن حجم الفجوة الإنسانية التي يتجرعها والغصة المريرة التي تعصره فقد استحال جسد العراقي وعلى مدى طويل من السنين الغابرة وحتى اللحظة الى ساحة تنفيذ الخلاصات والحلول الأخيرة التي جاءت دائماً بالكوارث المدمرة، فجسد العراقي ( المحارِب ) يكابد فضاعات الحروب المجانية ويدفع من جسده ضريبتها التي تبدأ من شظايا واطلاقات تحيله الى عاهة ثقيلة وتصل الى فقدان الجسد وإلغائه من الوجود كلياً بقتله في سوح الحرب او ساحات الاعدام لمن يحاول الافلات بجسده، وجسد العراقي ( الغير محار ِب/ المدني ) بكل تمثيلاته الاجتماعية يدفع ضريبة الاحتراب الداخلي وتصارع الطوائف وإهمال المؤسسة الخدمية واستهتار الفساد فتنتهك جسده وتحيله إلى ساحة تنفيذ لا أكثر، حتى صار العراقي بجسده مفهوماً مُوحِداً للعذابات الانسانية في العالم الان.

جسد العراقي اليوم ساحة مثالية لصراع القوى الدينية والسياسية والفكرية التي ترفع شعارات لا يبقى منها سوى هواء التصريحات المجانية.

ولاشكَ ان تناقضاً كبيراً حصل بين الجسد العراقي المكبوت والجسد المكتوب والمُدّوَن في الادب العراقي وقد يعود السبب الى المرجعيات النفسية النافية للجسد المترسخة في وعي ولا وعي الذات الكاتبة العراقية، هذا الغياب يجعل مشهد الثقافة العراقية منقوصاً بأنتظار رافد انساني مهم ما زال يرواح في مكانه.
لا يمكن ان يُقال الجسد الاّ حين نتخلص من عُقدنا المستديمة وامراضنا الموروثة ، والانصات العميق لاحاسيسنا وتقصيها والتصالح معها ، غيرُ ذلك سيبقى الجسد (بمفهوميه الحياتي المعاش والفني المُدّون) منفياً ومتروكاً على رف منسي في مكتبة اكلتها عفونة العقل المُقيد.

ليست هناك تعليقات: