الجمعة، ديسمبر 30، 2011

مخاوف اللندي وادبنا النسّوي

علي محمود خضير



تقول الكاتبة الروائية إليزابيل اللندي في أحد حواراتها: «عندما تموت أمي سأكتب رواية جنسية! »العبارة المدهشة لهذة الكاتبة الصريحة تفرض علينا تساؤلاً مهماً ، في مجتمعات سبقتنا في حرية الرأي والفكر : هل يعني ذلك أن كاتبة من قامة اللندي خائفة من ردّ فعل عنصر اجتماعي مؤثر كوالدتها مثلاً ؟ وإذا افترضنا وجود مثل هذة المفارقة ، فكيف الحال لكاتبة تعيش في مجتمعاتنا ؟ وهل سيكون أدب اللندي (أميناً) في نقل جميع تصوّرات وانفعالات وحاجات الذات الأنثوية التي تمثّلها وتتمّثلها في نصوصها ؟

وبالرغم من هذا التصريح الذي يقترب من الدعابة ، إلاّ أننا نلاحظ كم كانت هذه الكاتبة جريئة في طروحاتها الروائية فيما يخص استعمال الجنس في الرواية ، لكن هل الخوف والكبت، إزاء نظرة اجتماعية ثقافية صارمة مَن يفرضان على المرأة كتابة معينة وحدوداً ينبغي عدم التفكير في تجاوزها ، أو حتى الوصول إليها ؟

هذا الخوف - الكبت - لطالما عطّل دور المرأة في ريادة مفهوم ثقافي «نسويّ» خالص ينظر إلى المرأة كنقطة تشريع تنظيري ثقافي لا يبخسها حقوقها في تكوين النسيج الثقافي للمجتمعات . إذ في ظلّ ثقافةٍ أسّس لغتها ووضع شرائعها وبنى أحكامها ومعطياتها الرجل ، كيف يمكننا أن نحدّد ملامح الأدب النسويّ؟ كيف نعرّفه؟ هل كلّ ما في حوزتنا من أدب نسويّ يعبر عن هموم المرأة الشرقية بشكل حقيقي بعيداً عن مخاوف مسبقة كمخاوف اللندي ، وبعيداً عن الأنماط التي خلقتها عصور من الإهمال والأنا الذكورية القاسية؟

هل كلّ نص كتبته أنثى يمكننا أن نسمّيه أدباً نسوياً ؟ هل كلّ مقالة نقدية لظاهرة ثقافية ما تحمل توقيع سيدة هو نقد ثقافي نسويّ ؟

وإذا كانت النصوص الأولى للأدب ، وما بعدها والتي كوّنت الذاكرة الجمعية للنسيج الاجتماعي ، قد وُضِعت في ظلّ مجتمع ذكوريّ صرف ، يمسك الرجل فيه بصولجان التجربة الثقافية الإنسانية ، دافعاً انفعلاته وتصوّراته وأجواءه النفسية، بوعي ذكوري واضح... فألا يشكّل هذا التراكم الفكري، وعلى مدار القرون الغابرة، دليلاً على أن وعي ولاوعي الذات الكاتبة الأنثوية قد تكوّنا داخل نسيج ثقافي ذكوريّ، وبالتالي ليس في وسعنا الحكم بشكل نهائي على القضية، والوقوع على صوت أنثوي خالص لجهة اضطرار هذا الصوت إلى الاستعانة بموروث ثقافي من صنع الرجل؛ بكل تسلطه وإقصائيته.

لعلنا نستطيع فعل ذلك لو استطعنا التأمّل في أجوبة الأسئلة التالية ، بعد قراءة مجموعة نصوص لكاتبة أنثى:
هل ان صوت الراوي داخل النصّ ، ذكر أم أنثى؟،وطبيعه أدوار المرأة التي تلعبها في النصّ؟ وهل ثمة صورة نمطية للمرأة في النصّ؟ بالاضافة الى طبيعة شخصيات المرأة في النص، رئيسية أم ثانوية؟

لو وضعنا إجابات لهذه التساؤلات الأولية ، سنجد أن غالبية النصوص ربما تكون قد وقعت في فخّ تصوير المرأة بعدسة الثقافة الذكورية ، وبالتالي إسقاط كلّ الأحكام النمطية المسبقة عليها (عدم صلاحيتها للقيادة وتدبّر الشؤون ، حقيقة كبتها النسويّ ، مستواها الثقافي... وغير ذلك من هموم المرأة العربية في مجتمعاتنا(.

بالطبع، ثمة أصوات نسوية مهمة أدلت بدلوها خارج انساق ثقافة الرجل التسلّطية ، وعبّرت عن صميم مأساة المرأة - الإنسانة بكل ما لها من طبائع وغرائز وطموحات مصيرية في الوقت ذاته.
هي دعوة تأمّلية لكسر الصورة، ورفع الغبار لتأسيس مرجعيات خاصة لأدبنا النسويّ لعكس صورة حديثة للمرأة العصرية في عالم ذكوري، معقّد ومشتبك، تقول فيه ما تريد دون تردّد أو خوف من ردود مستهجنة أو غاضبة.

ليست هناك تعليقات: