الجمعة، ديسمبر 30، 2011

الحالم يستيقظ وتعدد البنيات الشعرية

زهير الجبوري

http://www.alsabaah.com/ArticleShow.aspx?ID=13568جريدة الصباح العراقية

اشعر و أنا أقرأ قصائد الشاعر علي محمود خضير ، ان هناك جيلا باستطاعته الغور في ميدان التحديث الشعري بكل ثقة وبكل مهارة ، ومهما تعددت مسميات الاشتغال الشعري وفق تصنيف الاجيال ، فأن التجربة الشعرية العراقية ولادة لكل الاشكال.

غير ان جيل (ما بعد المحنة الاولى) في العراق ، استطاع ان يكشف عن ملامحه مؤخراً على يد شعراء شباب ، علي محمود خضير واحد منهم .. غير انه يحتاج الى استوقاف تأملي للتعامل مع شعره ، فهو يشتغل على تاريخانية واضحة بإنحيازه على مجموعة من ابناء جيله ، وحثّهم على التواصل ، مما يؤكد وعيه العميق في ذلك .. وقبل الدخول الى مجموعته الشعرية البكر (الحالم يستيقظ) ، لابد من الاشارة الى انه يغور في جدلية القصيدة الرؤيوية (الغربية) ودلالات الشعرية البودليرية التي تنفتح على شعرية الاشياء بذهنية لغوية واضحة ، لكنها –أي قصيدة علي محمود- لا تخلو من كونها ابنة الواقع.

(الحالم يستيقظ) ، مجموعة شعرية تستدعي قارئاً متأنياً ، فثمّة بناء لغوي .. وثمّة تشكلات صورية تكونت عبر علامات لغوية.. وثّمة لعب فني مقصود ، كل هذا احال له ان يقدم تجربته بالشكل الذي طرحه ، ولكن عليه ان ينفك من هذا التعميق الشعري المكثف ، لأن ما تخفيه جمله الشعرية من معنى ضامر، كفيلة من انسراحه بشكل آخر ، ولي في ذلك تطبيقات نقدية في قصائد المجموعة.

نلمس من خلال تفحصنا لقصائد المجموعة ان هناك بنى مكونة لشعرية تأملية ، البنى هذه بانت بقصدية البناء اللّغوي / الشعري، أهمها (بنية الأنا.. بنية الهاجس..بنية الآخر) ، كلّها شكلت تغريبية واضحة في الجملة الشعرية لديه..أرى بأنه –أي الشاعر- نجح في جعل القصيدة تنطلق من جوهر الذات ، وهذه تعتمد على إلهامية عالية ، حتى اننا نشعر أن شعرية الجمل في قصائد المجموعة أو غيرها من القصائد التي نشرها في أماكن متفرقة ، مستلة من عمق القصيدة ذات الطابع البنائي / الاسترخائي ، طابع غلب عليه اللّعب اللّغوي لتفعيل المخيلة التي تشكل صوراً شعرية ناضجة.

:(في الجانب التطبيقي)

صحيح ان قصائد (الحالم يستيقظ) كتبت بنمطية شعرية محدثة ، الاّ أن هناك شحنات بارزة وشاخصة انبثقت في شعرية الشاعر ، الشحنات تنصب في بوتقة الجمل الشعرية عبر علامات تعبيرية..

شحنات تناغمت مع الحس النفسي عبر دلالات هاجسية فاعلة ، او كما يقول (هربت ريد) (القصيدة هبوط في الطبقات النفسية العميقة) ، وقد اشرنا الى البنى المكونة المرسلة .. لكنها بنى استرخائية ، يكررها الشاعر دائماً على خلفية شروط القصيدة و متطلباتها الفنية .. نقرأ في قصيدة (كأن لا ليل قبله) كيفية استرسال الشاعر في خلق عبارات شعرية وفق اشتراطات البنى التي ذكرها:

كان يشعر بالوحشة ،

وحشة من يموت اللّيلة.

كأن جماعةً من الموتى او الملائكة

ينتظرونه كي يأخذوه معهم.

حيث لا رجعة أبداً . (ص7)

في المقطع هذا ، تظهر العبارات (يشعر بالوحشة .. وحشة من يموت .. كأن جماعة من الموتى حيث لا رجعة) ، وقد انطوت على عمق شعري للطبقات البنائية المنفتحة على الهواجس المتناظرة مع الحس السايكولوجي ، وهذا ما لمسناه في القصائد (وسواس .. تهذيب الألم .. حتى تجد خلوتك الدافئة .. طقوس العطشى .. وغيرها) ، مع اختلاف الموضوعة المطروحة وطريقة بنائها الفني في كل قصيدة.

في حين نجد في بعض القصائد هيمنة النسق النثري بمهارة البناء السردي ، الأمر الذي جعلنا على قناعة تامة بأن (علي محمود خضير) هائم في شعرية التحديث النثري ، فالمهارة في شعرية النثر ، هي المهارة في صلب المعنى الشعري ، حيث لا ايقاع الوزن ولا قافية البيت الشعري ، نقرأ في قصيدة (اذ تعكس الشمس احمر شفاهك):

(لنذهب جهة الشاطئ ، نحضن زرقته باحداقنا ، نكتري زورقاً ينتهي

بقلبينا المرتجفين لامواج تصخب . سنحيا كما نشاء اليوم.

كيف يقال الحب؟ أهمس .. تنصتين.

كم منك فيَّ؟ تهمسين .. أنصت) . ص41

أما في قصيدة (رسالة ستضلُّ عنوانها ايضاً) التي كتبت بـ(4) مقاطع ، نمسك خيوط الكتابة النثرية برؤى شعرية مختلفة بعض الشيء ، رؤى استدعت المخيلة لتشكل نصاً شعرياً بمهارة لغوية اخرى ، فقد مازجت بين (انا الشاعر.. و بنية الاخر المقصود)، ففي المقطعين الاول و الثاني نقرأ العبارة (اتذكر الآن بلحظة شاردة هبطت عليّ فجأة) و (أتذكر اني سألتها مرة) ، لكن المقطعين الاخرين تمازج فيهما الحس الهاجسي بلغة مجازية واضحة:

المقطع (3) : صرت مجذافاً كلما صارت زورقاً، و شارعاً كلما ازدحمت بالاخرين . ص46

المقطع (4) : لكي ان تعيشي كما ترغبين .. ولي ان احلم . ص46

كل مقاطع القصيدة ، كشفت عن بنية تكثيفية وما اراده الشاعر هو الابانة عن قدرته في تعددية البناء الشعري المتداخل مع صلب الموضوع و قصديته في المعنى..

من جهة اخرى ، قرأنا في المجموعة بعض القصائد المقطعية المكثفة ، وهي تقترب الى ما يسمى بـ(الضربة الشعرية) ، كما في (طقوس العطشى .. كما تدخل شارعاً بالخطا.. أوزار المعنى .. افتراضات .. كلاكيت.. امنية .. اوان) ، حيث الانسراح الشعري بطريقة بنائية مكتملة ، قسم منها كتبت بطريقة (قصيدة الومضة).

في قصيدة (امنية) تتماهى اللغة الشعرية باكتمال لغتها التكثيفية (كم تمنيت، وانا اسلم نفسي كلّ ليلة الى تمرين الموت ، الاّ استيقظ ثانية) ص58 ، وهكذا في النصوص الاخرى حيث القدرة والتنوع على كتابة نص شعري او قصيدة شعرية لها ابعادها الدلالية الناضجة من كافة الجوانب.

في تجربة (الحالم يستيقظ) ، فتح علي محمود خضير نافذة الدخول الى ميدان الشعر المرسل بتروٍ و تأنٍ ، غير اني ادعوه الى فكل انشداده داخل قصائده ، وهذه العملية واضحة لدى القارئ ، ومع مرور تجربته ســيقف على بعض النقاط التي تدله الى فتح شفرات جديدة في كتابته الشعرية..

احســب انه وريث السلالة البصرية التي افاضت الكثير في الشــــعرية العراقية على يد شعراء كبار.

ليست هناك تعليقات: