الأحد، سبتمبر 08، 2013

خادمُ الحَيَاة


 

أنا خادمُ الحَيَاةِ
كُلَّمَا ألقَتْ عَلَيَّ حَجراً
أفردتُ ذراعيَّ مِنْ دونِ احتجاج
وكُلَّمَا شكّتْ فِي نافذتي إبرةً
رَسَمْتُ مَسافةً للقادمينَ بِرفقتي.


أنا خادِمُها الَّذِي لا يَئِنُّ
الأنينُ لا أعرِفُهُ،
لَكِنَّهُ يَتَذكرُني.
  
الأنينُ خادمٌ يَبْكَي كُلَّمَا تَذكّرَ أنّهُ خادمٌ
وأنّهُ لا يَعرِفُ مِنْ سادتِهِ إِلَّا وجوهاً بَضّةً، 
وأياديَ ناعمةً كالسَّكاكين،
ومسافاتٍ لا شِفاءَ مِنها.
  

الأنينُ أنا أو أَنتِ
أو ما تَشَابهَ بيننا ذاتَ ليلةٍ،
مُصادفةً،
فَسَقَطْنا إِلَى البِئْرِ ممسوسينِ
بِشَيءٍ يُسمونهُ الحُبَّ أو ما يُشبِهُهُ

لمْ نَعرِفْ حينها ما هو
ولم نكنْ لِنُريدَ أنْ نَعرِف.



أنا خادمُ الحَيَاةِ الأمين

سَمْعِتُ أطفالاً يَصْرُخُونَ عَلَى بعضِهم فِي الساحاتِ فيما اللَّحظَةُ تَجرُّ أُختَها، خادعةً، فَيَكْبُرُونَ بِالمـُصادفةِ ويَكتشِفُونَ ثوبَ أيامِهم المثقوبَ بِإبرةِ اللَّحظَةِ الماكرةِ.
وكُنتُ أميناً عَلَى التذكّرِ.



رَأَيْتُ أشباحاً لا صِفات لهم.
وجوهُهُم جامدةٌ وضِفافُهُم لم يَطأْها الدَّمْعُ.
فراجيلُهم رمليةٌ، أُمّاً وأبنها شاخصينِ ومُحنَّطين،
كمَنْ يَقفُ لالتقاطِ صُورةٍ مُجبراً. 
وكُنتُ أميناً عَلَى النِّسيان.



رَأَيْتُ جُنْدِياً مَيتاً
نصَّفَتْ جُثَتَهُ شَظِيَّةُ الحربِ
يُغطيّهِ دِثارٌ ثقيلٌ
أصابعُهُ يابسةٌ
وحَولَهُ تَحلَّقَ عُجُزٌ يَحتسُونَ الشايَ فِي نيسان.
وكُنتُ أميناً عَلَى ما تَكَسَّرَ مِنْ روحي.



رَأَيْتُ قَلْبيَ
يَطُوفُ عَلَى قُلُوبٍ كثيرةٍ
تَراهُ ولا تَراهُ
كانتِ القُلُوب مغلولةً وعَمْياءَ
تُسيءُ الظَّنَّ بِيدهِ الممدودةِ
وتُلطِّخُ قُمْصانَهُ بِالكَذِبِ
وكَانَ أَذانُ النَّدَمِ يَمرُّ مِنْ جانبِهم
فتغلِبُهم نشوةُ القابضينَ عَلَى الحَقِ
وكُنتُ مُّؤمناً بِنصيبي مِنَ الخُسران.



ألمْ أَقُلْ إنيّ خادمُكِ أَيَّتُها الحَيَاةُ الجاحدة؟

اُنْظُرِي لهَذَا الألمِ الشاسعِ
اُنْظُرِي لما رويتُهُ
وما نسيتُهُ وأنا أروي
وما لَنْ أرويه أبداً


اُنْظُرِي مَعَي لحُبٍّ خاطئٍ
لأطفالٍ يَصْرُخُونَ عَلَى بَعْضِهم
وأشباحٍ لا صِفاتِ لهم
اُنْظُرِي إِلَى نِصْفِ جُنْدِيٍ ميت
واُنْظُرِي لي
أنا اللامبالي الَّذِي يُمثّلُ السَّعادةَ
كَيْ تَسترِيحَ السَّعادةُ مِنْ إحراجِها.


سأسألُكِ بَعدَها، يا حَياةُ:
بِأيِّ عَتَمةٍ تُخيفينَا ونَحْنُ مُلُوكُ كُلِّ هَذَا الضَّوءِ؟

من كتاب "الحياة بالنيابة" الدار العربية للعلوم ناشرون 2013