كانَ
يشعرُ بالوَحشة،
وَحشةِ
مْن يموتُ الليلة.
كأنَّ
جماعةً من الموتى أو الملائكةِ
ينتظرونه
كي يأخذوه معهم
حيثُ
لا رجعة أبداً
مراتٍ
عدّةً افلتَ النومُ منه،
وظلَّ قلبُهُ يحوم بأرجاءِ البيت
كعصفورٍ
أضاعَ سبيلَهُ، ليدخلَ غرفةً بالصدفة.
الفِراشُ
سجادةُ أشواكٍ باردةٍ، مُهِّدَتْ بعناية.
كلُّ
خطوةٍ يمشيها في الممرّاتِ تستعجلهُ ليُسرعَ أكثر
أيُّ
مسافةٍ تكفي لردمِ هذا الوحشِ وإسكاتِ فحيحِهِ؟
كانَ
يشعرُ بوَحشةِ مَنْ يموتُ الليلة،
وكانَ
الليلُ ثقيلاً كَسِرٍّ قديم
يُلِّحُ
بأسئلةٍ لا جوابَ عليها،
بأهوالِ
جماعةٍ ينتظرونَ ولا يتكلمون
لا
يُصدِرون ضجةً كأنهم بلا أقدامٍ أو صفات.
كأنَ
الليلَ مُلْكُ مِزاجِهِم الملتبس،
ليلَ
الوَحشة.
ومن
يدري أنَّ لرعبهِ أبواباً لا تُفتَح
ومصابيحَ
مهشَّمة
وسكاكينَ
حادّةً وغيرَ مرئية؟
من
يدري أنَّ لألمهِ لغةً بلا لسان
أو
لساناً منعقداً أو مشلولاً؟.
من
يدري أنَّ وَحشتَهُ تتكرر
وتمتدُّ
وتعلو وتتمطى،
وتمَشي
داخلَ رأسِهِ وبينَ قمصانِهِ المشرَّبة بالرِعدة؛
أنَّ
ألوانَهُ تتبدلُ وأنَّ المسافاتِ تختلطُ عليه
أنَّ
الأَسرّةَ تقضُّهُ بأشواكٍ جافّة،
أنَّ
الليلَ سرُّهُ النازفُ والنهارَ رهانُهُ الأقلُّ أماناً.
...
لا
أحد.
كانتِ
الوَحشةُ مستمرةً وغيرَ نهائية
كانتْ
تفتحُ في جسدهِ ثقوباً تتأجَّجَ بثقوبٍ متأجِّجةٍ
وتحيلُ
الجدرانَ ألواحَ صَلْبٍ والشبابيكَ مقاصلَ رطبة
ليلٌ
عاطلٌ
كأنْ
لا ليلَ قبلهُ
كأنَّ
ساعاتِهِ موصولةٌ بسلسلةٍ من الساعاتِ لا تنتهي إلا في الجحيم
كأنَّ
الجحيمَ استضافَهُ هذه الليلةَ باكراً؛
ربمّا
السماءُ نَزلَتْ ساحقةً
أو
الأرضُ صَعَدتْ تنتفض.
وكان
الفجرُ حلماً يصدأ،
كان
اشتعالُ الحاضرِ بزيتِ ماضيه وثقابِ أيامِهِ القادمة
كان
الخرقةَ التي يسدُّ بها فَمَ البركان
ومن
يدري أن لِبركانِهِ آياتٍ في الأزقة الضيقة
والبيوتِ
الواطئة،
آياتٍ
لا مُرتِّلينَ لها ولا منصتين
من
يدري أنَّ سكونَهَ كاذبٌ وغشّاش
وأنّه
يغلي بأماراتٍ ملغزة:
أمارتهُ
الفجرُ يدفعُ عنه تهمةَ الليلِ أو النهار
أمارتهُ
أسمالٌ معتَّقةٌ بأشباحِ الغائبينَ ومصابيحِهِمُ المظلمة؛
يدٌ
ترجفُ الحقيقةَ وتتنصلُ منها؛
عينٌ
تسكبُ كوابيسَها دفعةً واحدة.
...
لا
أحد.
ومن
لهُ بعدَ كلِّ ذلك
من
للمستوحِشِ في ليلتِهِ الأخيرة
غيرُ
ملائكةٍ أو موتى
ينتظرون...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق