الأحد، أبريل 10، 2022

ديوان «الحالم يستيقظ»: الوحدة العضوية في الشعر

جاسم عاصي



في كتابة الشعر واستمراره زمنياً، يتشكل نوع من النمط أو النسق الذي يستمد قوامه من نوع الخطاب، وعمق تواصله وتماسّه مع حراك الواقع، بما يؤهل البنية الفكرية من اتخاذ الإجراء بهذا المستوى أو ذاك. فالشعر شديد الاتصال وبناء العلاقة مع الفنون والأجناس الأخرى، بل هو مرآة يمكن أن يرى المتلقي خلال صفحاتها أوجها تحكمها رؤى ومعرفة صاعدة. بمعنى يرافق الوعي العام الوعي الشعري، وهي خاصية ذاتية تقود إلى ما أكدنا عليه في بلورة الصوت الشعري. فالشاعر وهو يؤسس لعمارته؛ يعمل على أن يؤثثها بما يستلزم فنه حصراً، وبما يؤهله لبلورة صوته الشعري. فالعلاقة التي تسبغ ظلالها على الخطاب الشعري، تواصل النمو داخل الشعر وليس خارجه، وضمن مؤسسته الدائمة الحركة والصاعدة. وهذا يرجع إلى طبيعة الشاعر نفسه في ما يخص وعيه بضرورة التوّفر على تواصل مع الثقافة والوعي المعرفي، الذي يدفع صور الأشياء باتجاهات متعددة، تتركز في رؤى شعرية يجمعها مستوى غني وواسع من الوعي، مع تعدد في العوالم التي جميعها وإن اقتربت أو ابتعدت عن حركة مركزها، فبالنتيجة يتخلق عبرها النمط، أو الصيغة الشعرية التي تميّز شخصية الشاعر الفنية والرؤيوية.

فحسب بودريار في كسر الحدود ما بين الفلسفة والأدب والنظرية الاجتماعية ووسائل الاتصال، من أجل فتح اللغز التكنولوجي والتعامل مع هذا النظر تعاملاً مفتوحاً، يؤدي بالنتيجة إلى صورة لصالح الشعر. فالمنهج هو توظيف قوّة الأشكال توظيفاً فنياً (النقد الثقافي/ عبد الله الغذامي/ 2001). من هذا النمط من رؤى الشعر وسياقه ووظائفه، نجد في شعرعلي محمود خضيّر اتساعا في الرؤى، التي تنشغل في خطابات تقترب، بل تتمرس ضمن الرؤى الصاعدة، إذ نرى أن عوالم شعره تفوق عمره الشعري (الشبابي). وهذا، كما نرى، راجع إلى أنه واكب كتابة الشعر وفق معطيات ثقافية متعدد التوجهات، ما خلق لديه مركزاً يفوق مستوى عمره، كالخوض في فلسفة العلاقة مع الأشياء والظواهر، وطرح الأسئلة المستعصية عن الجواب، وفك لغز تبني الشعر لرؤى الفلسفة، وعلم الاجتماع، والسسيولوجيا، دون الإخلال بالشعرية. فهو بحق شاعر يتناول الظواهر عبر تعدد محاورها، ويعمل على توسيع الرؤى لما حوّله، وممارسة جدلية وجوده كإنسان ومثقف، إزاء واقع شديد التناقضات. لذا نجده بالشعر وحده يمارس نقد الواقع، لا بمعنى الانتقاد الموصول بالاحتجاج، بل إنه يحتج على الصيغة التي يراها مربكة للوجود الإنساني، وأمر ممارسة كشف مستوياتها شعرياً تطلبت منه الاقتصاد في العبارة على حد قول النفّري ورؤيته الفلسفية. فالشعر دون الفلسفة يبقى أسير بنيات محدودة، وهذا لا يعني أيضاً أن الشعر أو سواه ممن يمارسون في الشعر على استعمالات ثقافية متصاعدة، موحدين نظرتهم للشعر والظاهرة بقالب واحد، وإنما بطاقة من رؤى متجددة، تُمارس فعل الجدال مع مفردات الحياة والوجود، كذلك مع بنيات الشعر وروافده ومحصلاته.
نجد في خطابات الشاعر اجتماع العديد من الصفات التي يتوجب وجودها في خالق النص، أهمها، الموّهبة، المعرفة، اتساع الرؤى، شفافية العبارة، لذا فقصائده طويلة نسبياً، لكنها لم تتخذ مثل هذه الصيغة خالقة ترهلاً في العبارات الشعرية، ونعني هنا الزائد في التعبير، ما يسبب إرباكاً لتركيز الصيّغ الشعرية المحكومة برؤى متعددة الاتجاهات والرؤى، كما ذكرنا. فالشاعر إنما يخوض في الأشياء بكهولة تفوق عمره، وتؤدي بطبيعة الحال إلى تشكيل مبنى الحكمة في الشعر، بسبب العلاقات الجارية بين قوله الشعري والإحساس بالموجودات، وارتباك الواقع، ما يولّد في شعره نوعاً من ورود ما لم يُحتملْ أو يتوقع. ونرى في هذا خضوع لجينات معرفية. إنه يتقدم بإرادة نحو استقبال كهولته الشعرية، المحكومة بمجموعة اعتبارات دافعة للشعر كي يتبوأ مكانة خطابه، ومن أهمها الرؤى الفلسفية والأنثروبولوجيا. من الخواص التي نجدها مرتكزات شعرية الشاعر هي:
ـ كوّن القصائد طويلة نسبياً.. أي أن نَفَسهُ الشعري المحكوم بالرؤى، يوّلد تداعيات شعرية مركبة التعبير والأسلوب، فجملته الشعرية موّلدة، تبتعد عن وجودها النمطي في مسار القصيدة، مرتكزة على مجالها الحيوي في خلق تماسّ شعري نام.
ـ طول القصائد خلق مبنى بانورامياً يتمركز فيه نوع من التعرية الذاتية، قصد التعرية الكلية للوجود، فهو يطرق باب الأسئلة، دون تهويل في العبارة الشعرية.
ـ يستند إلى الموهبة، الحِرفة، اتساع الرؤى، شفافية العبارة. كما يرشح الشعر معادلة لا تنفك تُلازم القصائد في ديوانه «الحالم يستيقظ» فشعره حاصل تحصيل لمجموعة خوّاص.
ـ يخضع شعره إلى تأثيرات متنوعة، وهي في جملتها معرفية، تعمل على توسيع رؤيته للأشياء، ومعرفته لجدلية الوجود الإنساني.
ـ الخوض في تجارب تفوق تشكله الشبابي كما ذكرنا ـ وهذا يتماثل مع الضاغط النفسي من جهة، والتأثير المعرفي من جهة أخرى.

العتبات.. الإشارات المؤَكدة

الحالم يستيقظ ؛ ثريا تُثير نوعاً من المفارقة، ليس في كوّنها تنطوي على شفافية الحلم وطبيعة الاستيقاظ، فالبلاغة في العنوان متأتية من القطع بين الشفافية والمثول. ونعني بذلك أن العنوان لو كان (النائم يستيقظ) مثلاً لهان الأمر خلال إعطاء فعل الاستيقاظ موّقعه المعتاد، لكن العنوان كان على غير هذا تماماً، فالاستيقاظ ارتبط بكينونة الحلم، أي الشفافية لليوتيبيا التي خلقها الحلم. وأمر قطعه بمثابة إجراء قسري عمل على كسر الشفافية التي أنتجها فعل الحلم، الذي حوّل المرء الحالم إلى عالم فيه لذة متماهية أبعدته عن واقعه كتعويض عن الإحباط في الواقع، لاسيّما ارتباط العنوان بقاعدة لونية هي مزيج في إشعاع وتركيز على يوتيبيا الوجود، كما أنه ارتبط مع أنقى الفنون وهي الموسيقى، العازفة أُنثى، وأُنثى من المخلوقات المتخيلة في الأساطير والحكايات الموروثة، لها جناحان تطير بهما، أي تنتقل وفق اشتراطات الحلم للبقاء ضمن حيّز الحالم، ولا تُبرحه سوى حصول مفاجئ، وهنا كان الاستيقاظ. فالعنوان هنا فيه شفافية وعرض لواقع يعمل بقسرية كسر أسس الوجود، ولعل كسر الحلم واحد من أهم مقتنيات الإنسان ضمن مخياله الذاتي.

أما ما احتواه الغلاف من الخلف، فقد احتوى مقتطعا من قصيدة، يحتوي على رؤى توجبها طبيعة البيئة الخالقة لأسئلة الشاعر في (أيكون النهر أقرب من أي يوم مضى؟) وهو سؤال خلقته حالة التماس، ضمن شعور الاقتراب من الأشياء، حيث الفعل ورد الفعل في (وتكون لي برودته كلها/ وأمنحه الرجفة). وهنا منطق البلاغة في أن الجزء يمنح الكل في (الرجفة). بعد ذلك ينساب المقطع واصفاً ومؤكداً على خصائص المشهد وما حول النهر. وهذا بحد ذاته يؤشر إلى علاقة الشاعر مع بيئة رعوية وزراعية، أي أنه بصدد إنتاج شعر البيئة وتفعيل أسئلتها الأزلية. إن رحلة الشاعر علي محمود خضيّر لم تكن شائكة، وإنما كانت تسير وفق نمو الشعر بتلقائية، فقد اختارت القصائد البساطة في التعبير والعمق في الدلالة. فلغته الشعرية لا تُضفي على الأشياء التهويل، بل السهل المنظور والدال الكاشف لما هو مضمر. وهي نوع من التجليات الصوفية التي تراعي العلاقة بالأشياء وحركة الزمن، قصد كشف تداولاته التي كثيراً ما تدفع صوت الشاعر في النص للنزوع إلى البحث عن الخلاص. وهنا تتحقق صورة الخلاص بالشعر وحده. فشعرية قصائده كامنة في بساطة جملته الشعرية، فهو شاعر ذي نزوع يومي كما هو (سعدي يوسف، مصطفى عبد الله، حسين عبد اللطيف) لكنه يحاول التخلص من هيمنة الآخر الشعرية في البحث عن شعرية قصائده، وتأسيس صوّته الذاتي الذي سيميّزه شعرياً في قابل الأيام. 


القدس العربي

الأحد، ديسمبر 09، 2018



لتحميل المجاميع الشعريّة للشاعر علي محمود خضيّر يرجى الضغط على الروابط التالية:



  1. الحالم يستيقظ، دار الغاوون، بيروت، 2010:

حمّله من هنا:


     2. الحياة بالنيابة، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2013:




حمّله من هنا:

                                                         https://bit.ly/1nOFFOx


3- سليل الغيمة، منشورات باصورا، 2015:





حمّله من هنا:

                                                            https://bit.ly/2QjD8P0


الأحد، سبتمبر 08، 2013

خادمُ الحَيَاة


 

أنا خادمُ الحَيَاةِ
كُلَّمَا ألقَتْ عَلَيَّ حَجراً
أفردتُ ذراعيَّ مِنْ دونِ احتجاج
وكُلَّمَا شكّتْ فِي نافذتي إبرةً
رَسَمْتُ مَسافةً للقادمينَ بِرفقتي.


أنا خادِمُها الَّذِي لا يَئِنُّ
الأنينُ لا أعرِفُهُ،
لَكِنَّهُ يَتَذكرُني.
  
الأنينُ خادمٌ يَبْكَي كُلَّمَا تَذكّرَ أنّهُ خادمٌ
وأنّهُ لا يَعرِفُ مِنْ سادتِهِ إِلَّا وجوهاً بَضّةً، 
وأياديَ ناعمةً كالسَّكاكين،
ومسافاتٍ لا شِفاءَ مِنها.
  

الأنينُ أنا أو أَنتِ
أو ما تَشَابهَ بيننا ذاتَ ليلةٍ،
مُصادفةً،
فَسَقَطْنا إِلَى البِئْرِ ممسوسينِ
بِشَيءٍ يُسمونهُ الحُبَّ أو ما يُشبِهُهُ

لمْ نَعرِفْ حينها ما هو
ولم نكنْ لِنُريدَ أنْ نَعرِف.



أنا خادمُ الحَيَاةِ الأمين

سَمْعِتُ أطفالاً يَصْرُخُونَ عَلَى بعضِهم فِي الساحاتِ فيما اللَّحظَةُ تَجرُّ أُختَها، خادعةً، فَيَكْبُرُونَ بِالمـُصادفةِ ويَكتشِفُونَ ثوبَ أيامِهم المثقوبَ بِإبرةِ اللَّحظَةِ الماكرةِ.
وكُنتُ أميناً عَلَى التذكّرِ.



رَأَيْتُ أشباحاً لا صِفات لهم.
وجوهُهُم جامدةٌ وضِفافُهُم لم يَطأْها الدَّمْعُ.
فراجيلُهم رمليةٌ، أُمّاً وأبنها شاخصينِ ومُحنَّطين،
كمَنْ يَقفُ لالتقاطِ صُورةٍ مُجبراً. 
وكُنتُ أميناً عَلَى النِّسيان.



رَأَيْتُ جُنْدِياً مَيتاً
نصَّفَتْ جُثَتَهُ شَظِيَّةُ الحربِ
يُغطيّهِ دِثارٌ ثقيلٌ
أصابعُهُ يابسةٌ
وحَولَهُ تَحلَّقَ عُجُزٌ يَحتسُونَ الشايَ فِي نيسان.
وكُنتُ أميناً عَلَى ما تَكَسَّرَ مِنْ روحي.



رَأَيْتُ قَلْبيَ
يَطُوفُ عَلَى قُلُوبٍ كثيرةٍ
تَراهُ ولا تَراهُ
كانتِ القُلُوب مغلولةً وعَمْياءَ
تُسيءُ الظَّنَّ بِيدهِ الممدودةِ
وتُلطِّخُ قُمْصانَهُ بِالكَذِبِ
وكَانَ أَذانُ النَّدَمِ يَمرُّ مِنْ جانبِهم
فتغلِبُهم نشوةُ القابضينَ عَلَى الحَقِ
وكُنتُ مُّؤمناً بِنصيبي مِنَ الخُسران.



ألمْ أَقُلْ إنيّ خادمُكِ أَيَّتُها الحَيَاةُ الجاحدة؟

اُنْظُرِي لهَذَا الألمِ الشاسعِ
اُنْظُرِي لما رويتُهُ
وما نسيتُهُ وأنا أروي
وما لَنْ أرويه أبداً


اُنْظُرِي مَعَي لحُبٍّ خاطئٍ
لأطفالٍ يَصْرُخُونَ عَلَى بَعْضِهم
وأشباحٍ لا صِفاتِ لهم
اُنْظُرِي إِلَى نِصْفِ جُنْدِيٍ ميت
واُنْظُرِي لي
أنا اللامبالي الَّذِي يُمثّلُ السَّعادةَ
كَيْ تَسترِيحَ السَّعادةُ مِنْ إحراجِها.


سأسألُكِ بَعدَها، يا حَياةُ:
بِأيِّ عَتَمةٍ تُخيفينَا ونَحْنُ مُلُوكُ كُلِّ هَذَا الضَّوءِ؟

من كتاب "الحياة بالنيابة" الدار العربية للعلوم ناشرون 2013


الجمعة، مايو 31، 2013

علي محمود خضير في( الحالم يستيقظ)..ظاهرة شعرية أم إيكولوجية؟

عبد الغفار العطوي
جريدة تاتو العراقية



سأتناول ثقافياً ما طرحه الشاعر ( علي محمود خضير ) في مجموعته الشعرية ( الحالم يستيقظ) من إصدارات الجفال ط2|2011 م لأن العنوان يهدف إلى فهم العلاقة بين الشعر كمنتوج لفظي يتأثر باللغة الحاملة له والوجهة التي يقصدها ، وبين الحاضنة المنطوية عليها آلية الاستقبال ، ففي هذه المجموعة الشعرية ينتصر السياق الثقافي على الاشتغال الشعري في نقاط مهمة ، سنتطرق إلى بعضها لاحقاً ، وطغيان الثقافي على الشعري مرده إلى أن الشاعر يمارس نوعاً من المماحكة الثقافية على حساب المسالمة الشعرية ، أوجبه رؤية المرحلة التاريخية التي تشكل مساره ،وتدفعه إلى الوقوع في دائرة التنظير والتجريب في الشكل والمحتوى، وإليك التفصيل الذي يبين مغزى بروز ( علي محمود خضير ) في الشعر على اعتباره ظاهرة يمكن دراستها.

1-يطل الشاعر في بداية المجموعة على قرائه من خلال عتبتين: الأولى : يؤكد على اسمين هما ( روان وملاذ )على اعتبارهما جناحيه في العاصفة ! وهي عتبة غامضة تقرأ ثقافياً ، على قياس التجربة التي يغامر بها الشاعر متعرضاً للعاصفة ،ولا نعرف أية عاصفة التي تتطلب جناحين قويين ، وقد نفسر المغزى الذي يتجه إليه الشاعر بالتنويه بالعاصفة عند أعتاب العتبة الأخرى التي احتواها الغلاف الأخير للمجموعة ، وضمت كلمات التعريف والإطراء والمديح بموهبة الشاعر، وإظهار مزاياه على يد ثلاثة كتاب معروفين في الوسط الثقافي العراقي والعربي وهم الشاعر والكاتب المغربي محمد بنيس والناقد العراقي فاضل ثامر والكاتب عيسى مخلوف، وهذه الأقوال تدخل في نطاق المماحكة الثقافية التي تظهر المساحة التجريبية التعريفية التي يحظى بها الشاعر التي يصفها بنيس بالمغامرة ، ويربط ثامر تجربة الشاعر بالزلزال الذي حدث عام 2003 من جهة ، ومن جهة ثانية بنزعة حداثية متقدمة على حد قوله في كتابة قصيدة النثر الخ ويختم مخلوف هذه العتبة بقوله : والعالم من حوله غربة !وهذا ما يحدث تماماً في شعر على محمود خضير ، لنجد إن الشاعر فيما عرضته العتبتان يحمل نمطاً مميزاً من الكتابة الشعرية ، ربما هي كما تود أن تطرح نفسها مختلفة في شكلها ومحتواها ، وفي رؤية الشاعر إلى العالم والشعر واللغة والسياق، بدفع مباشر وغير مباشر من أقلام هؤلاء السادة الكتاب ، وفي الحقيقة إن نزوع الشاعر إلى وضع هاتين العتبتين بهذا القصد سيعطي انطباعاً بوجود سلسلة من عمليات الترقيع في آلية صناعة الظاهرة، بغياب المؤشرات الثقافية التي تمسح مساحة بروز الظاهرة الفكري والاجتماعي والسياسي، ولو قرأنا ما كتبه فاضل ثامر من جديد في الغلاف الأخير تصورنا فداحة السكوت على فقداننا لهذه الصناعة.

2 - لا شك إن المجموعة عموماً تهتم بالسياق الثقافي على حساب الاشتغال الشعري في نقاط محددة ، وتضيق على المساحة الشعرية لصالح الشواغل الثقافية والسوانح المعرفية التي تخدم خط التفوق الفكري العام على حسابات الشعرية المتشظية في تضاعيف المحاولات التجريبية الحداثية التي يحرص الشاعر على إسداء الرأي في بعض جوانبها ،فرؤيته الحداثية للفضاء الشعري الذي يعوم فيه هو من بديهيات الثقافة المعاصرة التي تفضل غلبة العامل الثقافي على المنتوج الشعري ، في شكل الرؤية وتراتب النزعة الكتابية التي تحاول المزج الاجناسي ، في (كأن لا ليل له ص7) تبرز سمات المغالبة الحداثية في نوعية الشعر المنثور الذي تطغي عليه لمحة السرد مع الأخذ بالعرف من وجهة تسالم معينة ، في علامة( الموتى أو الملائكة).

كان يشعر بالوحشة
وحشة من يموت الليلة
كأن جماعة من الموتى أو الملائكة ينتظرونه كي يأخذوه معهم
 حيث لا رجعة أبدا
مرات عدة أفلت النوم منه
وظل قلبه يحوم بأرجاء البيت
كعصفور أضاع سبيله ليدخل غرفة بالصدفة
الفراش سجادة أشواك باردة مهدت بعناية

وفي ( خيار خاسر ص 11) يستخدم العلامة السردية بصيغة الماضي ( حدثك مرة ) كعتبة للدخول إلى فضاء مليء بالتوقعات الخاسرة التي يبتدأها بفعل ( أحسب) الذي يعني الظنية الساكنة التي تتضارب مع قول ( حدثك):

حدثك مرة
كل ليلة تصلح أن تكون الأخيرة وكل نهار يحمل بقلبه بذرة العدم
 أحسب إن في رأسي يتجادل ملكان
لا يملآن حساب المرات
التي أدرت ظهري فيها لرسائل الليل والنهار
أحسب إنهما تعبا كثيراً معي فتركاني هائماً في دروب لا تستحي
 أحسب إن نهاراتي القادمة أقل حظاً
وأني خسرت بياضي بانتظار سوادك
وأن ذنوبي لا تغفرها رحمتك

 3 -الشاعر يمزج بين البنية السردية والشعرية بغية توصيل جملة من الانفعالات لا تتم إلا وفق هذا المنظور الحداثي الثقافي ، لأنه يؤسس لرؤية دقيقة في ما وراء المعنى ، وفي ما خلف النص ، كما في ( مشقة أن تعرف ص 17) التي سيكررها في النصوص الأخرى:

البارحة
حينما خرجت من جسدي سالماً
رأيتك تركضين برداء أسود ودمعة أخيرة
كان الليل وقتها على أتم سواده
والريح خلفك تنبح

ويكررها في ( حتى تجد خلوتك الدافئة ص23):

لن يهمك
ستمشي في الشارع المكتظ وقت الغروب
وتحتدم بالحشود المربكة
الوجوه العجولة والوجوه الحائرة
ستنسى إنك نسيت
وتوفر دموعك قليلاً
قليلاً حتى توفر خلوتك الدافئة

4 -في نص ( وهي تتحول إلى ملاك ص 33) الذي أهداه إلى عبير العراقية الصبية الجميلة التي أنتهك عرضها وأغتصبت في ليلة ليست كباقي الليالي وأحرقت جثتها بعد قتلها وعائلتها والبيت المنعزل الذي كان غافياً على البراءة ،أحرقهم حفنة من الجنود الأمريكان المحتلين من دون وازع من ضمير أو رادع من عقل ، لتتحول عبير إلى قضية العصر التي تصور بشاعة انتهاك البراءة والتمثيل بها ، وهذا النص كان متفوقا في إيصال هذه الدلالة ، في حركة سردية شعرية متلاحمة ، مع مستهل يبدو قادماً من وراء النص ، مما يؤسس لنص يتلاءم مع حركة الرؤية التي ينقلها الشاعر بعين الكاميرا لتتشظى الوقائع في فضاء الجريمة البشعة النكراء:

كما تحل العتمة فجأة
هبط مطر آذار
في الخارج الحديقة تسهر بأشجار تين راجفة
هل أجعل أصابعي في أذني كي لا أسمع نحيبها
كيف مرت البارحة؟
بماذا فكر رجال المارينز قبل أن يقتحموا عليها الدار
ماذا سيقولون للرب؟
ألم يكن الباب موارباً؟
وماذا عن أنين أخت منتظرة
وأب يتعثر الرعب على لسانه ويموت ؟

ويبدو نجاح الشاعر علي محمود خضير في هذا النص الهجين دفعه لتكرار هذا النموذج في بقية النصوص ، في رص قطع النصوص المتشظية لانتاج ظاهرة شعرية ، تتألف من مستهل +حركة سردية تصل حد الحكاية + بنيات شعرية إما مرصوصة أو مبعثرة كما في ( دهشتي كلها ص 37 | إذ تعكس الشمس أحمر شفاهك ص 43 | رسالة ستضل عنوانها أيضاً ص47) 5 -من ضمن التجارب الحداثية في شعر علي محمود خضير هو إندفاعه نحو السياقات الثقافية ، التي تحمل هم المغايرة في البناء الشعري والاهتمام بالنسق السسيو-ثقافي الذي يبرز ما وراء المعنى على حساب المعنى الذي يعتقده القارئ قريباً، في ( ما يتركه المارة ، مسرعين ص 63) بعض التجريب الذي يكرر الفعل( أتأمل ) للزيادة في النمو الثقافي البديل عن المعنى:

أتأمل أمي تصنع خبزها بتنور فزعنا
أتأمل أبي ، يسند بيتنا لئلا يشيخ
أتأمل إبنتي تثقلني وترفع عني
أتأمل مروحة السقف ساكنة منذ البارحة
أتأمل يومي وهو يمر
أتأمل الخديعة والخيانة والخسارة
أتأمل الساعة قاسية -لا تنتظر
أتأمل نفسي وأنا أنتظر.

http://www.tatoopaper.com/news.php?action=view&id=627

*الحالم يستيقظ/ شعر/ علي محمود خضير/ الطبعة الثانية دار الجفال 2011 º

الأحد، مايو 19، 2013

كأَنْ لا ليل قبله




كانَ يشعرُ بالوَحشة،
وَحشةِ مْن يموتُ الليلة.
كأنَّ جماعةً من الموتى أو الملائكةِ
ينتظرونه كي يأخذوه معهم
حيثُ لا رجعة أبداً

مراتٍ عدّةً افلتَ النومُ منه، 
وظلَّ قلبُهُ يحوم بأرجاءِ البيت
كعصفورٍ أضاعَ سبيلَهُ، ليدخلَ غرفةً بالصدفة.

الفِراشُ سجادةُ أشواكٍ باردةٍ، مُهِّدَتْ بعناية.


كلُّ خطوةٍ يمشيها في الممرّاتِ تستعجلهُ ليُسرعَ أكثر
أيُّ مسافةٍ تكفي لردمِ هذا الوحشِ وإسكاتِ فحيحِهِ؟

كانَ يشعرُ بوَحشةِ مَنْ يموتُ الليلة،
وكانَ الليلُ ثقيلاً كَسِرٍّ قديم
يُلِّحُ بأسئلةٍ لا جوابَ عليها،
بأهوالِ جماعةٍ ينتظرونَ ولا يتكلمون
لا يُصدِرون ضجةً كأنهم بلا أقدامٍ أو صفات.
كأنَ الليلَ مُلْكُ مِزاجِهِم الملتبس،
ليلَ الوَحشة.


ومن يدري أنَّ لرعبهِ أبواباً لا تُفتَح
ومصابيحَ مهشَّمة
وسكاكينَ حادّةً وغيرَ مرئية؟
من يدري أنَّ لألمهِ لغةً بلا لسان
أو لساناً منعقداً أو مشلولاً؟.
من يدري أنَّ وَحشتَهُ تتكرر
وتمتدُّ وتعلو وتتمطى،
وتمَشي داخلَ رأسِهِ وبينَ قمصانِهِ المشرَّبة بالرِعدة؛
أنَّ ألوانَهُ تتبدلُ وأنَّ المسافاتِ تختلطُ عليه
أنَّ الأَسرّةَ تقضُّهُ بأشواكٍ جافّة،
أنَّ الليلَ سرُّهُ النازفُ والنهارَ رهانُهُ الأقلُّ أماناً.
...
لا أحد.


كانتِ الوَحشةُ مستمرةً وغيرَ نهائية
كانتْ تفتحُ في جسدهِ ثقوباً تتأجَّجَ بثقوبٍ متأجِّجةٍ
وتحيلُ الجدرانَ ألواحَ صَلْبٍ والشبابيكَ مقاصلَ رطبة
ليلٌ عاطلٌ
كأنْ لا ليلَ قبلهُ
كأنَّ ساعاتِهِ موصولةٌ بسلسلةٍ من الساعاتِ لا تنتهي إلا في الجحيم
كأنَّ الجحيمَ استضافَهُ هذه الليلةَ باكراً؛
ربمّا السماءُ نَزلَتْ ساحقةً
أو الأرضُ صَعَدتْ تنتفض.

وكان الفجرُ حلماً يصدأ،
كان اشتعالُ الحاضرِ بزيتِ ماضيه وثقابِ أيامِهِ القادمة
كان الخرقةَ التي يسدُّ بها فَمَ البركان

ومن يدري أن لِبركانِهِ آياتٍ في الأزقة الضيقة
والبيوتِ الواطئة،
آياتٍ لا مُرتِّلينَ لها ولا منصتين
من يدري أنَّ سكونَهَ كاذبٌ وغشّاش
وأنّه يغلي بأماراتٍ ملغزة:
أمارتهُ الفجرُ يدفعُ عنه تهمةَ الليلِ أو النهار
أمارتهُ أسمالٌ معتَّقةٌ بأشباحِ الغائبينَ ومصابيحِهِمُ المظلمة؛
يدٌ ترجفُ الحقيقةَ وتتنصلُ منها؛
عينٌ تسكبُ كوابيسَها دفعةً واحدة.
...
لا أحد.



ومن لهُ بعدَ كلِّ ذلك
من للمستوحِشِ في ليلتِهِ الأخيرة
غيرُ ملائكةٍ أو موتى
ينتظرون...

أوزار اليقظة.. أو... السرور بالكيفية الشعورية


مقداد مسعود
جريدة المدى العراقيّة

محاولة تفعيل الاتصالية بين (تكلم النص) و(مكالمته) في نماذج من قصائد (الحالم يستيقظ) للشاعر علي محمود خضير


(1)
 
قصيدة (إذ تعكس الشمس أحمر شفاهها)...


فاتحة القصيدة..يستعملها الشاعر علي محمود...لينقضها عشرات المرات وسيكون النقض
شعري ألإجراء..من خلال تركيم الحالات النقيض..


(فيما يذيعون عن فرق تتناحر وبيارق تهتز بوعود مفزعة/43ص)..هكذ تبدأ القصيدة..توهمنا..عبر
توظيف ذكي لموجز انباء لحظتنا العراقية..أنها قصيدة بحنجرة مبحوحة..وهي فعلا بداية تغوي الحنجرة
لتشغيل لافتاتها السياسية..لو كانت القصيدة لغير الشاعر علي محمود..بعد هذه الفاتحة الشعرية،يقوم الشاعر
بعملية منتجة(مونتاج) لينقل القصيدة،عبر عين الكاميرا الى تفعيل لقطات هي البديل الموضوعي عن عنف
مشهد المفتتح الشعري: يذيعون/ فرق تناحر / بيارق تهتز/ وعود مفزعة....
وستكون اللقطات ضمن فضاء مفتوح للحب حصريا:1- تبدو المروج ممتدة كالمدى
2- تبدين زاهرة هذا النهار
3- لنعد خلف سعاداتنا،بين القصبات النحيفة،الخجولة لكن الطيبة
4- لابد للسماء أن تفرش غيوما حانية.5- وتمد يدا ودودة تضحك بألوان سبعة
6- لنجر حد ألأعياء
7- نخط ذكرى في قلب الشجرة العجوز أعلى التلة
8- ترى كم من العصافير على أصابعها الطويلة؟
9- وكم منها ترقص في عينيك؟
11- سنغمر قمصاننا بالعشب،
12- نتيه عن الوقت،عن النهر الذي يفصل اتحادنا، جوهرة تلتمع في تيه العدم.13- ستصافح النسمات جديلتك العابثة ولن تنقضي الساعات إلا ونحن منهكون بين
 
الحطبات والخراف الطيبة
14- أركضي وأنا خلفك،وحاذري أن امسك بك.
...
15- لنذهب جهة الشاطىء،نحضن زرقته بأحداقنا،
16- نكتري زورقا بقلبينا المرتجفين لأمواج تصخب.
17- سنحيا كما نشاء.
18- كيف يقال الحب؟ أهمس،..تنصتين.19-كم منك في؟ تهمسين..أنصت.20- ستكلمينني عن أقراطك الطويلة،عن ألأب الصارم،
إدامانك القهوة.21- سأطلب لروحك نهارا هائنا،نهارا دون بيارق ووعود.22- سيجافينا الملل. ولن أسأل عن يديك الملتبستين كالفجر


(2)

تأملات في أحمر شفاه القصيدة

في عنونة القصيدة..دعوة هادئة للمشاركة في تأنيث العالم،للشمس وظيفة مرآوية..ذهب الشمس يعكس المحذوف كتابة
والمشار اليه علاماتيا / لونيا: (أحمر شفاهك)..الطبيعي يناصر ألأنوثي..تتزامن فاعلية الشمس ألإشهارية،مع ما يفعل
عالم الذكورة،في واقعنا المعيش..وإذا كان المعنى يظهر بقدر طاقة القارىء وكل قارى يذهب الى النص بطوقه أو طاقته* فطاقتي ترى: وظيفتين للعنوان: العنوان كثريا، اما الوظيفة الثانية فشخصيا اراه السطر ألأول من القصيدة..وها انا قرأ القصيدة هكذا: إذ تعكس الشمس أحمر شفاهها،فيما يذيعون عن فرق تتناحر وبيارق تهتز بوعود مفزعة..
*
هندسة القصيدة: من خلال البيت ألأول(فيما يذيعون عن فرق تتناحر وبيارق تهتز بوعود مفزعة)
                   
والسطرماقبل ألأخير:(سأطلب لروحك نهارا هانئا،نهارا دون بيارق ووعود)
   
هاهي القصيدة بين قوسين من البيارق والوعود...في القوس ألأول البيارق والوعود موجودة
في القوس الثاني..محاولة لحذف البيارق والوعود من نهار هانىء..
لايتم الحذف،دون تأثيل العالم البديل..وهنا يومض صوت الذكورة هامسا خضلا بتأنيث العالم لتخليص لحظتنا العراقية
من تجاعيدها كلها... ومضات العشق تحاول بكل ازهرارها ان تزيل  أحتدام فضاءالسطر ألأول من القصيدة.


(3)
*
المعادلة بطرفيها..

يشكل فضاء ألإحتدام سطرا واحد من القصيدة / يقابله واحد وعشرون سطرا من الدعوة الى تأنيث العالم عبر العشق.
*
الذكورة/ ألأنوثة: في هذه ألأسطر صوت الذكر هو الذي يدعو ألأنثى..للمشاركة في تأنيث العالم..في (21) من الجملة
الفعلية..للذكرعشرين سطرا شعريا..للأنثى سطر واحد: (كم منك في؟ تهمسين..أنصت) وحتى السطر الشعري هذا الذي
تعود عائديته للآنثى هو سطر منفعل لافاعل / يتموضع كمعلول لعلة السطر الذي يسبقه(كيف يقال الحب ؟ أهمس..تنصتين) والذكر سيقول الأنثى كلاما بعد سطرها الوحيد(ستكلمينني عن أقراطك /ص 44) هل يمكن إعتبار القصيدة
منولوغ ذكوري..و(عن الذكر تستظهر ألأنثى حدود فاعليتها ومفعوليتها)*..
أراني كقارىء أمام بوح ذكر حيال أنثىا ه..من خلال الحضور العارم للعاشقة في البنية الداخلية والخارجية للنص..
لكن  الذكر لايريد من أنثاه وظيفة الصدى..بل فاعلية الصوت..(أركضي وأنا خلفك،وحاذري أن أمسك بك)
ومابين القوسين شفرة شفيفة ولاتحتاج  مفتاحا دلاليا بل..همسة عشق ناصعة لتنفتح بأسترخاء عذب.
فضاء القصيدة ينداح بمعنى مغاير لما ألفناه في قصائد العشق....لاصفة مبالغة في توصيف الحبيبة
ولايعد الحبيب حبيبته بوعود غير واقعية..هذا التعامل  الحداثي مع العشق.. يضعنا في كيفية إتصالية ندرك من خلالها
المتغير الجمالي الموائم للحظتنا العراقية،والمؤدي الى توليد دلالي في افق مختلف للمألوف الشعري..
أفق مزدوج القيمة: تشع منه جماليات النص وعمق الدلالة العشقية.
ومن خلال تكرار قراءتي لقصائد الشاعر علي محمود اتساءل،ألأ تشير قصائد الشاعر الى تفكير شعري مختلف ؟

إذا كانت الذاكرة الشعرية، تطوق طاقتي كقارىء، عبر إتصالية: تفكير / تذكر...فأني سأبحث عن مديات قصيدة
(..
أحمر شفاهك) في آفاق قصائد أخر..ربما سأجد ضالتي الشعرية في القصيدة التي تسبقها والقصيدتين اللتيين،مابعدها.
في (صورة فوتوغرافية) يتوالى البوح الشفيف بمجازاته آلآسرة،عبر منولوغ شعري لذيذ،يستعيد الذكر فيه زمنا خضلا
أقتسمه مع انثاه: نلاحظ كيف يتم تصعيد كرستال المجاز:
"
هل ورطت الندى حين قارنت بينكما ذات غربة ؟
   
وهل بغيرك يلوذ فراش البرية ؟
   
وحيدة قضت ليلتها شجرة آلآس
               
وأصص الدفلى
لم تتركي شيئا لعصافير الشرفة الصيفي"
الحبيبة هنا..تتفوق جماليا على طراوة الندى،وازهرار آلآس والدفلى ورشاقة عصافير الصيف.
ثم تتنامى سيرورة القصيدة صعودها عبر إتصاليات الجميل ومظاهاته،في لغة شعرية صادمة للوعي الشعري التقليدي
"
أفتح قميصي، عله يهرب
   
النرجس الذي تزرعينه على صدري
      
وحتى أغيض أشتياقي
 
لاأبتدىء نهاري إلا بصورك الفوتوغراف
     
كم سألتك حينها
   
من وشى للعصافير بمكانك؟
 
من هرب قوس قزح ليرتمي شريطا بين خصلاتك ؟
 
ومن أين جاءت كل هذه الفراشات ؟"


(4)
إذا تكلمنا بلسان (طوق الحمامة)..فأن هذا النص الشعري في إنزياحاته الآسرة،يجعلنا نشارك الشاعر سروره
بالكيفية الشعورية.إننا في هذه القصائد في حضرة (نزعة ألإشتداد)..العشقي..المبثوثة ،حين نرى
الى القصيدة ككائن تتحقق كينونته في  ديمومة  مديات التكلم..أليست القصيدة كينونة/ لغوية / متكلمة ؟
نعم القصيدة كينونة..تحيلني كمصطلح الى كلية الوجود تلك الكلية بأتصاليتها الثنائية: جسد / روح..
جواني / براني..معنى / مبنى../ هامش / مركز..

في  قصيدة (رسالة ستضل عنوانها أيضا) محاولة شعرية لأستعاد زمن عشق انتهى على وفق إتصالية تضاد
"
لك أن تعيشين كما ترغبين
ولي أن أحلم"

وهاهي حاضرة أو مستحضرة عبر حلم يقظته الشعري عبر ثنائية إتصال (صرت مجذافا كلما صارت زورقا)
)
شارعا كلما أزدحمت بالآخرين(
)
ألأشياء حولنا تتماوج بين حضور وغياب)


(5)
*
أمتياز ألأنثى..

يرى العاشق أنثىاه بعين القلب، وفي عمق الحبيبة يتحرر العاشق من عقال عقله فيمحو  (هم) من أعراسه محلقا في ملكوت  حرية لاتنفذ..يراها  ملء: التجلي وهو يفرط  لها القلب رمانة... مطلق ألأنوثة،فلاتفي مفردة (علاقة)
بالمعنى المقصود من الصلة بين ألأنوثة والذكورة..حيث تتقدم مفردة (نسبة) لما تحمله من معنى القرابة الباطنية،هنا يتحد العاشق بالمعشوق داخل الموجود نفسه وهكذا تنبني وحدة العشق على تركيبة من نسبتين متماهيتين..*
لنحاول إحصاء وجيز امتيازاتها:
)
تصب الحياة مركزة في فمي، بعد أن تصفيها شيئا فشيئا عبر قلبها المرتعش بحيرته(
)
كان السؤال ثقيلا بالمرة،وكانت تتجاهله بما لها من عيني طفل ورائحة ملاك(
)
وحدها كانت تمنح ألأشياء لونها ومعناها العتيق وتبدد عبث الوقت وبلاهته(
)
كورقة خضراء في حديقة،وبعيدة كسحابة(
)
ماتجرأت أن أطعنها برحيلي إلا وأنا محتدم فيه(

وإذا كانت أنثى قصيدة (..أحمر شفاهك) تجيد ألاصغاء،فأن  ألأنثى هنا
"
وليس كأية أمرأة، كانت تجيد القول:
ألامنية..عذاب الروح
الألم أخرس ولايحسن النطق"

المرأة منتجة قول هنا والرجل يكررإنتاج قولها بكتابته
"
كنت أدون ماتهمس...تدوين ملاك يصارع جحيمه الخا ص، مثقلا بذنوب غفلته"

-6-
*
إتصالية ألألم..

ألأنثى في(رسالة تضل...) يرصد الذكر وهي...
"
تنوء بجرحها القديم، مخفية ما أستطاعت حبات من دمعها ألأسود ينزل سريعا، فتخذله المناديل"
الذكر في قصيدة(دهشتي كلها) يعلن..
"
لأني غائر بسحنة الخجل
 
صحت بألمي لاتنكسر
أجلسته على دكة المخذولين
وقلت له أنتظر
ستحط على شرفاتنا فواخت ألأفراح"
ألأنثى تخذل دمعها المناديل ------------ الذكر يجلس ألمه على دكة المخذولين ويطالبه بأنتظار اجنحة الفرح

كلما اعاود قراءة قصائد الشاعر علي محمود خضير..أتساءل (من منا لايفتدي هذه التجربة الممتلئة بالحرارة والحياة
بجزء كبير من ساعات عمره الرتيبة الرصينة المتكررة الباردة ! هذه هي سنة الإشتداد أو سنة العشق ومن سار على
سبيلها وهداها رفض التعقل وألإعتدال وألإتزان بالتطرف وبالشغف بالأخطار والمغامرات..)* وهنا تكمن قوة التغيير
الشعري..وهي تنقلنا من رمادية التنظير الى الفارعة الخضراء الخضلة...: شجرة الحياة..
http://www.almadasupplements.com/news.php?action=view&id=4312


*
شاعر وناقد عراقي

*
علي محمود خضير / الحالم يستيقظ / دار(الغاوون) / بيروت / 2010
* (
تكلم النص) و(مكالمته) أقترضناهما من د.عبد الواسع الحميري / في آفاق الكلام وتكلم النص /ط1/2009/ دار الزمان / دمشق
*
وعن الذكر تستظهرألأنثى.../ ص47/ يسرى مقدم / الحريم اللغوي / 2010/ بيروت / شركة المطبوعات للتوزيع والنشر
*
رسائل أبن حزم ألأندلسي / طوق الحمامة في ألألفة وألالاف / المجلد ألأول / تحقيق الدكتورإحسان عباس /المؤسسة العربية للنشر / 2007
*
من منا لايفتدي هذه التجربة.... ص38/ صادق جلال العظم / في الحب والحب العذري / منشورات نزار قباني/ بيروت / 1968.