لستُ ناقداً مسرحياً مختصاً لكنني مهتم ٌ بالمسرح العراقي ومتذوق ٌ له واحرص على تأريخه الجميل الممتد عبر العقود الماضية.
واتساءل عما يوجد في العراق اليوم من حركة مسرحية جادة ، ألا يبدو من المفارقة غياب المسرح عن الواقع العراقي الذي يبدو على الأرض أغنى واقع مسرحي على الإطلاق بأحداثه الجسيمة وتناقضاته المرة، حيث يعيش البلد كله أحداثاً مسرحية لا ينقصها سوى الالتقاط والبث على الخشبة المقدسة؟
واتساءل عما يوجد في العراق اليوم من حركة مسرحية جادة ، ألا يبدو من المفارقة غياب المسرح عن الواقع العراقي الذي يبدو على الأرض أغنى واقع مسرحي على الإطلاق بأحداثه الجسيمة وتناقضاته المرة، حيث يعيش البلد كله أحداثاً مسرحية لا ينقصها سوى الالتقاط والبث على الخشبة المقدسة؟
.فالمرحلة الحاسمة في تأريخ البلد والكوارث التي أنهكته من تفجير و قتل واختطاف وتهجير واحتقان طائفي واحتدام سياسي تشكل بمجموعها مرجعيات كبيرة وروافد ضخمة لإعمال من الممكن أن تشكل علامة فارقة ومهمة تضج بكل ما يدور في الواقع العراقي من فواجع ، فلماذا غياب المسرح ؟ وماذا يعني غيابه ؟ ومن المسؤول ؟ وأين يكمن الحل؟
الواقع يشير الى إننا اليوم بلا مسرح فاعل في العراق وتظل محاولات الأساتذة سامي عبد الحميد وحيدر منعثر و صلاح القصب وآخرين تنقصها دعم المؤسسة الثقافية التابعة للحكومة ، حتى محاولات الشباب المتحمس تصطدم بغياب الرعاية وتخبطها إضافة إلى ضبابية الأعمال نفسها ووقوعها بالتباسات فنية ترجع لحداثة تجربة أصحابها.إن الأوضاع التي فرضتها أحداث التاسع من نيسان 2003 وما بعده، أجبرت العديد من الكفاءات المسرحية على ترك البلاد ما احدث فراغاً كبيراً لم يملأ بالشكل المطلوب وظلّ من تبقى من أصحاب الشأن يمارسون نشاطات رتيبة اقتصرت على بعض العروض الاحتفالية تنتهي بنهاية مناسبتها كالعروض المرافقة للملتقيات الثقافية (أسبوع المدى الثقافي مثلاً ومهرجان المربد) أو الاقتصار على الدعوات لمهرجانات مسرحية عربية رغم نجاح بعض الأعمال فيها والعودة بجوائزها غير أن كلا الأمرين لا يعنيان وجود حركة مسرحية معافاة وسليمة ، فالعروض المسرحية تكون هنا عروضا ( مناسباتية ) غير ممنهجة.
للمسرح دوره الإصلاحي والتنويري الشاهد على المجتمع وما يجري فيه وهو مرآة الحدث، كما له دور ترويحي لا يمكن تجاهله بأي حال من الأحوال، يسهم في رفع شيء عن كاهل المواطن البسيط الذي أرهقته همومه اليومية وعودة المسرح في هذا الوقت تساعد على دفع إرادة الحياة في جسد البلد المتهالك ويشجع أطرافا ثقافية واجتماعية أخرى على التحرك في سبيل عودة الحياة الثقافية والفنية للمجتمع العراقي.ربما يتعكز البعض على تردي الوضع الأمني وبالتالي انعدام الجمهور وهو احد أهم عناصر نجاح المسرح وقد يبدو ذلك حقيقة ملموسة ، لكن لتلك المشكلة حلولا ثانوية ، كأن يتم نقل العروض وإقامتها في المناطق التي تتمتع بوضع امني أكثر استقرارا من المناطق الساخنة.
غياب دعم المؤسسة الثقافية وهجرة العديد من الكفاءات إلى خارج البلد والأوضاع الداخلية الخاصة سببت جمود المسرح وانزواءه عن الحياة فظلت مسارح بغداد وباقي مدن العراق تئن من وطأة غياب روادها وضجيج جمهورها الصاخب المتذوق لكل ألوان المسرح العراقي ابتداءً بالمسرح الجاد وليس انتهاءً بالمسرح الشعبي.لكن الحقيقة المهمة ان غياب المسرح العراقي عن مسرح الحياة ليس في مصلحة الاثنين ، وينبغي ان لا يطول الأمر أكثر من ذلك ، وعلى المعنيين بالمسرح العراقي ان ينتبهوا لدورهم المعطل وان لا يقفوا متفرجين على تراجع واحد من أهم المسارح العربية مكانة وريادة وتأريخ كي يستعيد بريقه ويسهم في بث روح جديدة وأمل مفعم يواجه رياح اليأس والألم والفجيعة التي فتكت بالعراق. وأخيراً تحية لمن يعملون على خشبة المسرح وهم يعلمون انه قد يكون عرضهم الأخير لان سيارة في الخارج تنتظرهم.